
فى أغسطس ١٩٧٢ عدت من لندن شهر أجازة واخرجت فيلم قصير ـ البطيخة ـ ٩ دقائق / أبيض واسود / ٣٥مم بتكلفة ٣٠٠ جنيه فقط .. ثلاثمائة وليس ثلاث آلاف لحس حد يفتكر نسيت صفر .. تصوير سعيد شيمى ومونتاج أحمد متولى وانتاجى مع خال زوجة سعيد المرحومة أبية فريد // كل واحد فينا حط ١٥٠ جنيه .. وسافرت بعد المكساج وقبل ان اشاهد النسخة الأولى .. أثناء هذه الزيارة قابلت المخرج الشاب ممدوح شكرى عند أحمد متولى بحجرة المونتاج فى ستوديو الأهرام حيث كان فيلمه الثالث والأخير ـ زائر الفجر ـ فى مرحلة المونتاج .. وذاكرتى بهذا الشاب انه كان شديد الثقة بنفسه وعنده عادة هز سلسلة المفاتيح التى فى يده طوال الوقت ولم أكن ادرى طبعا ان فيلمه سيكون الأخير فى حياته اذ انه توفى فى شهر ديسمبر من العام التالى عن عمر ٣٤ سنة بعد ان أصيب بالصفرا .. مرض الفقراء .. فممدوح رحمه الله كان من خريجى الدفعة الأولى لمعهد السينما .. وعمل كمساعد فى فيلم يوسف شاهين ـ الناصر صلاح الدين ـ وفيلم حسين كمال ـ المستحيل ـ ومع فطين عبد الوهاب أيضا قبل ان يشترك فى اخراج فيلم ـ ثلاثة وجوه للحب ـ مع ناجى رياض و مدحت بكير .. الفيلم كان عبارة عن ثلاث قصص من تأليف ممدوح .. اخرج كل منهم قصة وكان هذا عام ١٩٦٩ .. فى ١٩٧٠ اخرج أول أفلامه الطويلة ـ أوهام الحب ـ وتبعه بفيلم ـ الوادى الأصفر ـ
ثم ـ زائر الفجر ـ الذى عرض بعد وفاته عام ١٩٧٥ ويعتبر من أهم أفلام الفترة .. بطولة عزت العلايلى و ماجدة الخطيب الى جانب مجموعة من الممثلين منهم شكرى سرحان و مديحة كامل و تحية كاريوكا و يوسف شعبان و سعيد صالح و زيزى مصطفى و رجاء الجداوى و جلال عيسى وحتى نلمح عايدة رياض بالفيلم .. نخبة هائلة وهم فى أوائل صعودهم أو منهم من تمتع ببطولات من قبل .. ولكن روح التضامن فى عمل ملحوظ والذى من الصعب الحصول عليه اليوم.. والسيناريو كتبه رفيق الصبان ومدير التصوير رمسيس مرزوق والديكور نهاد بهجت ومونتاج أحمد متولى الى جانب المخرج بركات الذى اشرف على انتاج الفيلم لصالح هيئة السينما .. وحتى أعطى الكتابة عن الفيلم حقها بعد ان شاهدته مرة أخرى مؤخرا هو ان أنقل لكم ما كتبه سامى السلامونى عن الفيلم.

زائر الفجر .. نجاح له معنى
ما الذى يعنيه نجاح ـ زائر الفجر ـ هناك دلالات وراء نجاح هذا الفيلم أخطر من بقائه فى دار العرض سبعة أسابيع أو ثمانية أو أكثر أو أقل .. فى الوقت الذى تحاصره أفلام أصبحت تتسول النجاح بالحديث فقط عن الحب وكأنه مشكلة مصر .. وتتصور أنها يمكن ان تضحك على الناس الى الأبد بالمايوهات والضحكات الكاذبة وطرقعة القبلات وبيع لحم النساء الأبيض فى علب الأفلام.
ان ـ زائر الفجر ـ يخاطب الناس فى عيونهم .. لا يخدعهم ولا يساومهم ولا يضحك عليهم بأغنية أو رقصة أو صدر امرأة .. انه على العكس يخاطبهم فى قسوة ليفتح عيونهم على واقعهم ويحدثهم عن الشر الذى يأكل حياتهم وحريتهم .. والشرير فى ـ زائر الفجر ـ ليس فريد شوقى أو توفيق الدقن وعصابة المخدرات القابعة فى الكباريه .. انما هو شىء اكبر من هذا واكثر صدقا .. انه عصابة حقيقية من مراكز القوى والإرهابيين والتجار الكبار والمرتشين والإنتهازيين وتجار الكلمات والنسوة الداعرات .. وهى عصابة حقيقية لا تقبع فى كباريه وهمى وإنما تعشش فى مراكز أكبر من هذا طوال سنوات الرعب والظلام التى كانت تقتل الشرفاء وتلوثهم وتسلب حريتهم وحقهم غى التفكير وفى حب مصر بدلا من سرقتها وهزيمتها .. ومجرد عرض ـ زائر الفجر ـ هو انتصار للحرية .. وقيمة ممدوح شكرى العظيمة إنه بعد ان رحل اكتشفنا جميعا زن ما حاول ان يقوله منذ ثلاث سنوات فى هذا الفيلم كان حقيقيا .. وأننا أصبحنا نقوله جميعا الآن علنا وعلى كل المستويات .. وإقبال الجماهير على هذا الفيلم يؤكد ان الناس وجدت فيه نفسها بالفعل .. وأنها وجدت أخيرا من يقول لها وبإسمها شيئا لم تكن هى تعرف كيف تقوله .. وبعد ان مات ممدوح شكرى يؤكد فيلمه الأخير انه كان سينمائيا عظيما .. وأنه كان أفضل مخرجى جيل الشباب موهبة وأكثرهم وعيا ورفضا للمساومة وتقديما للتنازلات من أجل مزيد من الأفلام ومزيد من الفلوس وقيمة فيلمه ليس فقط انه قدم موضوعا جيدا وإنما قدم أيضا سينما جيدة .. والدلالة الأخطر من هذا كله أن جمهورنا إذن لا يرفض السينما الجيدة .. وأنه ما زال جمهورا يقظا يطلب سينما يقظة لا يقدمها له أحد .. أن هناك أملا إذن .. والصورة ليست قاتمة تماما كما يزعم تجار السينما .. ومطلوب بعد ـ زائر الفجر ـ أن يعيد شباب السينما المصرية حساباتهم وأن يحاولوا أن يبدأوا تيارا .. فلم يكن ممدوح شكرى إلا واحد منا .. ولا يمكن أن يكون الوحيد .
سامى السلامونى
مجلة الإذاعة والتليفزيون ٢٦/٤/١٩٧٥
**
وعاش معنا سامى السلامونى انطلاقنا فى الثمانينات ليتركنا فى مشارف التسعينات واليوم اعادة رؤية فيلم ـزائر الفجر ـ واعادة قراءة ما كتبه سامى السلامونى وحصد تجاربنا وصراعتنا .. وتتبع مناخ اليوم السينمائى .. كل هذا لعله يلح على البعض ما نفتقده فى السينما اليوم ..
والى اللقاء